في مشهد عبثي لم يكن ليخطر ببال حتى أعظم كتاب المسرح السوريالي، يجتمع حزب التجمع الوطني للأحرار، الحزب الذي يرأس الحكومة، لمناقشة موضوع ارتفاع الأسعار، وينظم ندوة بعنوان “ارتفاع الأسعار بالمغرب.. الأسباب وسبل تحقيق الاستقرار الاقتصادي”، ثم لا يجد بُدا من تحميل المسؤولية لمجموعة من العوامل الخارجية والمضاربات الداخلية.
وبالموازاة معه، يعقد حزب الأصالة والمعاصرة، المشارك في الحكومة، اجتماعه ليعلن أن المعضلة الكبرى في البلاد هي المضاربات وارتفاع البطالة، بل ويدعو الحكومة إلى “الضرب بيد من حديد”على المتسببين في هذا الوضع.
وقبلهما خرج نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، ليعبر عن قلقه إزاء ارتفاع أسعار المواد الأساسية في المغرب، خاصة اللحوم الحمراء والدواجن، وأشار إلى أن هذا الغلاء غير مبرر، كما تحدث عن جشع الوسطاء، وهوامش الربح الكبيرة، وضرورة “تقوى الله في المواطنين”.
يبدو أننا أمام مشهد غير مألوف، حيث تشتكي الحكومة من نفسها، وتُحذر الأحزاب الحاكمة من قراراتها، بل وتنخرط في خطاب المعارضة، كأنها تراقب الوضع من برج عاجي، بينما المواطنون يعانون من الغلاء في الأسواق والضعف المستمر للقدرة الشرائية.
وهنا يطرح السؤال العريض: هل الحكومة مجرد مراقب، أم أنها الفاعل الرئيسي في رسم السياسات الاقتصادية؟
في الندوة التي نظمها التجمع الوطني للأحرار بأكادير، تم عرض أسباب ارتفاع الأسعار، وكأن الحزب الحاكم يشرح للمواطنين الأسباب التي يعرفونها جيدا، دون أن يتحمل مسؤوليته في وضع الحلول. فالحكومة ليست مؤسسة بحثية لتقديم التشخيص، بل سلطة تنفيذية يفترض أن يكون لديها برامج عملية لمواجهة الأزمات، لا أن تعيد على مسامعنا سردية الأسباب المعروفة.
أما حزب الأصالة والمعاصرة، فقد وصل به الأمر إلى حد المطالبة بمحاسبة الوسطاء والمضاربين، وكأنه يوجه رسالته إلى حكومة أخرى غير التي يشارك فيها.
كيف لحزب له وزراء في قطاعات حيوية أن يطلب من الحكومة تنفيذ قرارات حازمة، وكأن الأمر لا يعنيه؟ أم أن الأحزاب الحاكمة تحولت إلى “معارضة داخل الحكومة”، مع دنو الاستحقاقات الانتخابية المقبلة..
والأكثر إثارة للسخرية، أن الأحزاب الثلاثة أشادت بقرار الملك بعدم القيام بشعيرة الأضحية هذا العام، في اعتراف ضمني بأن الوضع الاقتصادي وصل إلى مرحلة تتطلب قرارات استثنائية، ومع ذلك، يواصلون تقديم نفس التبريرات المتكررة دون حلول واضحة.
إنه وضع سوريالي بامتياز، حيث تتحول الحكومة إلى كيان يشكو بدل أن يبادر، ويبدو أن الضرر لا يقتصر على المواطن البسيط فقط، بل امتد إلى المنطق السياسي الذي تحول إلى شيء بلا هوية.
إذا كانت الحكومة تعاني من المضاربات، فمن غيرها يملك القرار لمكافحتها؟ وإذا كان الغلاء قد أصبح أزمة مستفحلة، فمن غير السلطة التنفيذية قادر على التدخل؟
ما نشهده اليوم هو حكومة تشتكي من نفسها، وأحزاب حاكمة تتقمص دور المعارضة، وبين هذا وذاك، يستمر المواطن في البحث عن حلول لمشكلاته بعيدا عن تصريحات أحزاب الأغلبية التي فقدت البوصلة..
لذلك، إذا استمرت هذه “السوريالية السياسية”، قد نجد الحكومة قريبا تقود احتجاجات ضد نفسها في الشارع..!!
ح . ا

اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.